فصل: مسألة المقاسمة جائزة نافذة على الغائب وفيما بين الشريكين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يكون له مائة شاة فيبيع منها عشرة يختارها ثم يبيع بقيتها من رجل آخر:

ومن كتاب أوصى أن ينفق على أمهات أولاده:
وسئل عن رجلين اشتركا في شراء صفقة فاشترياها بعشرة دنانير اشترى أحدهما منه خمسة أراديب بخمسة دنانير، والآخر ما بقي بخمسة دنانير.
قال: لا بأس به، وهو حلال إذا كان باسما من الكيل الذي استثناه لأحدهما يجوز للبائع أن يستثنيه الثلث فأدنى، قيل له: أيهما على ذلك اشترياه فكأنه أشركه، قال: ليست بشركة وليس بذلك بأس، وإنما باعه البائع من الأرادب ما كان يجوز له أن يستثنيه، أرأيت لو باعه من صبرة وفيها ألف إردب عشرة أرادب بخمسة دنانير ثم باع بعد ذلك ما بقي من رجل آخر قبل أن يكيل العشرة أنه لا بأس به قال: وليس هذا مثل الضأن أن يكون له مائة شاة فيبيع منها عشرة يختارها ثم يبيع بقيتها من رجل آخر قبل أن يختار الأول فلا خير فيه وهو لا بأس أن يبيع عشرة من خيارها أبدا ولا خير في أن يبيع بقيتها قبل أن يختار العشرة حتى يختار، وفرق بين ذلك لأنه يجوز أن يبيع بقية الصبرة بعد الأرادب جزافا قبل أن يكتال الأرادب، ولا يبيع الضأن لأنه لا يدري ما بقي منها، ولأن الطعام هو صنف واحد ليس للكيل الذي يؤخذ منه فضل على ما بقي من الجزاف.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال وهو مما لا اختلاف فيه أعرفه في المذهب أنه إذا باع من الصبرة كيلا معلوما يجوز له أن يستثنيه منها وهو الثلث فأدنى جائز له أن يبيع بقية الصبرة من غيره أن المكيلة التي اشترى الأول منها كان البائع استثناها لنفسه، وأما إذا باع من غنمه عشرة يختارها المشتري فاختلف هل يجوز له أن يبيع بقيتها من غيره قبل أن يختار الأول عشرته، والمشهور قوله هاهنا: إن ذلك لا يجوز، وقد مضى القول على ذلك في رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع فلا معنى لإعادته ولو باع من غنمه أكثر من ثلثها على الخيار لما جاز له أن يبيع بقيتها من غيره قبل أن يختار الأول ما ابتاع قولا واحدا والله أعلم.

.مسألة اشترى الرجل سلعة وأشرك فيها ناسا فاستوضع صاحب الصفقة البائع فوضع له:

ومن كتاب أوله بع ولا نقصان عليك:
قال: إذا اشترى الرجل سلعة وأشرك فيها ناسا فاستوضع صاحب الصفقة البائع فوضع له فأشراكه يدخلون في الوضعية معه وكذلك قال مالك وإذا استوضعه أحد الذين أشرك فوضع كانت الوضعية له دون شركائه ودون صاحب الصفقة، وإذا اشتراها نفر صفقة واحدة فوضع لواحد منهم فالوضعية له دون شركائه وهو قول مالك.
قلت: فإن كان الذي اشتروها شركاء عقد فوضع لواحد منهم أيكون لأصحابه في ذلك شيء أم لا؟ وهل يفترق إذا كانوا شركاء عقد أو غير ذلك، قال: الوضيعة لهم جميعا إذا كانوا شركاء عقد فوضع الواحد منهم.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في رسم صلى نهارا ثلاث ركعات من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب فلا معنى لإعادته.

.مسألة سأل أمانة فأنكرها ثم ادعى الرد أو الضياع:

ومن كتاب إن خرجت من هذه الدار إلى رأس الحول:
وسئل عن شريكين كانا عند القاضي فسأل أحدهما صاحبه عن ماله فقال: ضاع مني، فقال القاضي: اكتبوا أيضا إقراره، فقال حينئذ: إنما دفعت إليك من مالي بعد أن ضاع مني قال: لا يقبل قوله وأراه ضامنا.
قال محمد بن رشد: لم يصدقه فيما ادعاه من دعوى القضاء لما تقدم من دعوى الضياع، وهو أصل قد اختلف فيه قول مالك وأقوال أصحابه اختلافا كثيرا فيمن سأل أمانة فأنكرها ثم ادعى الرد أو الضياع فقيل: إنه يصدق في كل واحد من الوجهين، وقيل: إنه لا يصدق في واحد منهما لما تقدم من إنكاره، وقيل: إنه يصدق في دعوى الضياع ولا يصدق في دعوى الرد، والثلاثة الأقوال كلها لمالك في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب القراض، وفيمن ادعيت عليه أيضا دعوى فأنكرها فلما قامت عليه البينة بها جاء بما يخرج منها من بينة على البراءة منها أو ما أشبه ذلك، فقيل: إن ذلك لا يقبل منه إلا في اللعان إذا ادعى الرؤية بعد إنكار القذف وأراد أن يلاعن وهو قول محمد بن المواز، وقيل: إنه لا يقبل منه إلا في اللعان والأصول ولا يقبل منه في الحقوق، وهو قول ابن كنانة وابن القاسم في المدنية وبالله التوفيق.

.مسألة شركة الأبدان لا تجوز إلا فيما يحتاج الاشتراك فيه إلى التعاون:

ومن كتاب أسلم وله بنون صغار:
وسئل عن صيادين اجتمعوا على غدير ومعهم شباك فقال بعضهم لبعض: تعالوا نشترك ويضرب كل واحد منا بشبكته، فأخرج صيدا فأبى أن يعطي للآخرين منه شيئا وقال لهم: ليس لكم فيما أصبت شيئا، فقال: ذلك له، وليس لهم فيما أصاب شيء لأنها شركة لا تحل.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن شركة الأبدان لا تجوز إلا فيما يحتاج الاشتراك فيه إلى التعاون، ولأنهم متى اشتركوا على أن يعمل كل واحد منهم على حدة لأن ذلك من الضرر البين فاشتراك الصيادين فيما يخرجونه بشباكهم من الغدير على أن يضرب كل واحد منهم بشبكته على حدة من الغرر البين الذي لا خفاء به، فوجب ألا تنفذ الشركة بينهم وأن يكون كل واحد منهم أحق بما أخرج بشبكته، ولو كان الغدير صغيرا لا يحمل إلا شبكة واحدة فأراد كل واحد منهم أن يضرب بشبكته أولا وترافعوا على ذلك لوجب أن يقضي بينهم بالاشتراك في ذلك على ما تصح به الشركة في ذلك بأن يستأجروا أحدهم على أن يضرب بشبكته بينهم خوفا من أن يقتتلوا على ذلك ولو بدأ واحدهم فضرب بشبكته قبل ذلك لكان له ما أخرجت له شبكته وهذا كل على قياس ما قاله سحنون في نوازله من كتاب الصيد في القوم يجدون العش فيريد كل واحد منهم أخذه ويتدافعون عليه وهو أصل لما يختلف فيه من القوم المتيممين يجدون من الماء قدر ما يتوضأ به واحد منهم هل ينتقض تيمم جميعهم أو تيمم الذي أسلم إليه وحده، وقد مضى الكلام على هذا مستوفى في سماع سحنون ونوازله من كتاب الوضوء وإن شاء ترك هو المشهور في المذهب على ما في رسم أوله أول عبد ابتاعه فهو حر من سماع يحيى من كتاب الشفعة، وعلى قياس ما وقع في كتاب المرابحة من المدونة من الرجل إذا اشترى نصف سلعة وورث نصفها لا يجوز له أن يبيع نصفها مرابحة حتى يبين؛ لأنه إن باع ولم يبين وقع بيعه على ما ورثه وعلى ما اشترى، وقد قيل: إن للمشرك جميع حظ الذي أشركه وهو دليل قوله في كتاب العتق الأول من المدونة وفي آخر المسألة من أول رسم من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب وقد مضى القول على ذلك هنالك وبالله التوفيق.

.مسألة قال له اشتر سلعة كذا وكذا علي وأنا فيها شريكك فاشتراها رجل غيره فأشركه فيها:

قلت له: فلو كان قال له: اشتر سلعة كذا وكذا علي وأنا فيها شريكك فاشتراها رجل غيره فأشركه فيها، قال: يكون الذي قال له اشتر علي وأنا شريكك مخيرا بين أن يأخذ نصف ما اشترك به صاحبه وبين أن يدع ولا يلزمه شيء.
قال محمد بن رشد: القول في هذه المسألة كالقول في المسألة التي قبلها يدخل فيها من الاختلاف ما دخل فيها إذ لا فرق بين أن يشتري نصف السلعة أو يشرك فيها بنصفها وبالله التوفيق.

.مسألة الربح تابع للضمان إذا عملا بما تداينا به:

ومن كتاب القطعان:
وسئل ابن القاسم عن الرجل يشرك الرجل فيقول أحدهما لصاحبه: اقعد في هذا الحانوت تبيع فيه، وأنا آخذ المتاع بوجهي والضمان علي وعليك، فيفعلان ذلك، قال: الربح بينهما على ما تعاملا عليه ويأخذ أحدهما من صاحبه أجرة ما يفضله به في العمل.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الربح تابع للضمان إذا عملا بما تداينا به كما هو بائع المال إذا عملا بما أخرجه كل واحد منهما من المال وبالله التوفيق.

.مسألة قال له اقعد في هذا الحانوت وأنا آخذ لك متاعا تبيعه ولك نصف ما ربحت:

قال: ولو قال رجل لرجل: اقعد في هذا الحانوت وأنا آخذ لك متاعا تبيعه ولك نصف ما ربحت أو ثلثه لم يصلح ذلك، وإن عملا عليه كان للذي في الحانوت أجرة مثله فيما عمل ويكون الربح كله للذي أجلسه في الحانوت.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: لأنها إجارة فاسدة من أجل أن الربح تابع للضمان، فإذا كان الذي أجلسه في الحانوت هو الذي يأخذ السلع ويكون ضمانها عليه وجب أن يكون الربح له ويكون للعامل أجرة مثله لأنه عمل على نصف ما ربح فيما باع وهو غرر وبالله التوفيق.

.مسألة اشترى أرضا فأشرك فيها رجلا فتعدى الشريك فزرع الأرض كلها:

وسئل عمن اشترى أرضا فأشرك فيها رجلا فتعدى الشريك فزرع الأرض كلها، فقال: الزرع للذي زرعه وعليه نصف كراء الأرض، قال عيسى: حاضرا كان شريكه أو غائبا، غير أن شريكه إن كان حاضرا يحلف بالله أنه ما كان تركه إياه رضا منه بذلك.
قال محمد بن رشد: قوله في هذه الرواية: إن الشريك إذا تعدى فزرع الأرض كلها يكون الزرع له ويكون نصف كراء الأرض ظاهره وإن كان إبان الحرث لم يفت فهو خلاف قوله في نوازل سحنون من كتاب المزارعة أن البذر إذا لم يفت أخذ نصيبه من الأرض فبذرها، وخلاف قول ابن القاسم أيضا في أول سماعه من كتاب الاستحقاق أنه يكون له فيما بنى في أرض شريكه قيمة بنيابة منقوضا إن صار في حظ شريكه فمرة رأى الشركة بينهما في الأرض شبهة يوجب أن يكون الزرع لزارعه فإن لم يفت إبان البذر ومرة لم ير ذلك شبهه ورأى أن من حق الشريك أن يأخذ نصيبه من الأرض بزرعها إذا لم يكن للذي بذره فيه منفعة إن قلعه، فإن كانت له فيه منفعة إن قلعه كان من حقه أن يقلعه إلا أن يشاء الشريك المتعدي عليه أن يأخذه بقيمته مقلوعا فيكون ذلك له، وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك في أول سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق، وقول عيسى بن دينار: إن لشريكه الكراء حاضرا كان أو غائبا بعد يمينه إن كان حاضرا خلاف روايته عن ابن القاسم في أول سماع من كتاب الاستحقاق، وقد مضى القول على ذلك هنالك مستوفى وبالله التوفيق.

.مسألة يشتركا إذا أخرج أحدهما ذهبا وأخرج الآخر ورقا:

من سماع يحيى من ابن القاسم من كتاب الصلاة قال يحيى: قال ابن القاسم: وسمعت مالكا يقول: لا ينبغي للرجلين أن يشتركا إذا أخرج أحدهما ذهبا وأخرج الآخر ورقا وهو عندي من المكروه البين، فإن وقع ذلك ولم ينظر فيه حتى يشتريان ويبيعان أخذ كل واحد منهما مثل ما كان أخرج، صاحب الذهب مثل ذهبه وصاحب الورق مثل ورقه، ثم يقتسمان الربح على قدر أموالهما، وتفسير قسمتها إن كان ربحا للعشرة خمسة عشر فكان لصاحب الذهب مائة دينار ولصاحب الورق ألف درهم جعل لصاحب المائة دينار فضل خمسين دينارا ولصاحب الألف درهم خمسمائة درهم وإن كان الربح للعشرة أحد عشر أو اثني عشر أو نحو ذلك فعلى هذا الحساب يقتسمان الربح.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة تقدم القول فيها مستوفى في رسم نقدها من سماع عيسى فلا معنى لإعادة ذلك وبالله التوفيق.

.مسألة الشريكين العقيدين يغيب أحدهما ثم يقدم فيجد أموالا بيد شريكه:

ومن كتاب أوله أول عبد ابتاعه فهو حر:
وسألته عن الشريكين العقيدين يغيب أحدهما ثم يقدم فيجد أموالا بيد شريكه فإذا أراد قبضها ليرى فيها في تجارتهما منعه الشريك وقال: هي أموال الناس أستودعها وإن كانت عروضا قال: قد دفعت إلى أهلها فيقول له شريكه: فمن أهلها أو لمن هذا المال الذي تزعم أنه ودائع الناس؟ فيقول: لا أحب أن أخبر بأهله وليس لك ذلك علي، أيقبل قوله أم لا؟ قال: إن سمى لها أهلها فادعاها للذي سماها لهم لم أر أن تدفع إليهم حتى يحلفوا مع إقراره لهم، فيكونون بمنزلة من يستحق حقه باليمين مع الشاهد فإن نكلوا دفعت إليهم نصيب المقر وأخذ الشريك نصيبه من ذلك المال، قال: وسواء أقر بوديعة أو بمتاع أمر ببيعه فيما يزعم قال: وإن لم ينص أحدا ولم يدعه أحد مما يقر له فالمال بين الشريكين نصفان كهيئته على شركتهما.
قلت: أرأيت إن قال: هو لي دونك ورثته أو وهب لي وما أشبه ذلك أيقبل قوله؟ قال: إن ثبت له معرفة الميراث أو العطايا والهبات وإلا فهو بينهما.
قال محمد بن رشد: هذه المسألة كلها صحيحة بينة لا وجه للقول فيها! إلا قوله فيكون بمنزلة من يستحق حقه باليمين مع الشاهد فإن ظاهره يقتضي أنه يحتاج إلى عدالة المقر لأنه جعله الشاهد قال ذلك أبو إسحاق التونسي، قال أيضا: وكان ينبغي أن يجوز إقراره لمن لا يتهم عليه، وقد يحلفون استبراء والصواب أنه لا يحتاج إلى عدالته، وعلى ذلك يجب أن يحمل قوله في الرواية لأنه لم يقل: إنه يكون شاهدا له يحلف معه، وإنما قال: إنه يكون بمنزلة الشاهد له في أنه يحلف مع قوله كما يحلف مع شهادة الشاهد فإن نكل عن اليمين لم يكن له إلا نصيب الفقر، ولم يذكر هل يحلف الشريك أم لا؟ والوجه في ذلك أن يحلف إن كان تحقق الدعوى أنه أقر له بباطل، وأما إن قال: لا أدري إلا أني أتهمه في إقراره له فلا يمين عليه، إلا أنه لما كان هذا الذي أقر به ليس بدين التجارة واستظهر على المقر له باليمين شبها بما قالوا في المديان يرث أباه فيقر بدين عليه الودائع في تركته أن المقر له يحلف مع إقراره بخلاف إذا أقر بدين في ذمته وقع ذلك من إيجاب اليمين على المقر له في آخر كتاب الوصايا الثاني من المدونة وبالله التوفيق.

.مسألة يأتي بحمامة أنثى ويأتي الآخر بذكر على أن يكون الفراخ بينهما:

من سماع سحنون من ابن القاسم قال سحنون: أخبرنا ابن القاسم، قال مالك في الرجل يأتي بحمامة أنثى ويأتي الآخر بذكر على أن يكون الفراخ بينهما إن الفراخ بينهما على الحضانة.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه المسألة عن مالك على قياس قوله في أن الزرع في المزارعة الفاسدة يكون لصاحب العمل والأرض، يريد ويرجع صاحب الحمامة الأنثى على صاحب الحمامة الذكر مثل بيض حمامته ويأتي على قياس القول في أن الزرع في المزارعة الفاسدة لصاحب البذر الفراخ لصاحب الحمامة الأنثى لأن البيض له ولصاحب الحمامة الذكر قيمة ما أعان به من الحضانة وبالله التوفيق.

.مسألة الفراخ تكون لصاحب البيض ولصاحب الدجاجة قيمة ما حضنت دجاجته:

قيل له: فإن أتى رجل ببيض إلى رجل فقال له: اجعل هذا البيض تحت دجاجتك فما كان من فراخ فبيني وبينك فخرج الفراخ لصاحب الدجاجة ولصاحب البيض بيض مثله وإنما هو عندي بمنزلة الذي يأتي بالقمح إلى رجل فيقول له: ازرع هذا في أرضك فما ساق إليه من رزق فهو بيننا، فيزرعه فإن الزرع لصاحب الأرض ولصاحب القمح قمح مثله ومثله السفينة والدابة يعطيان على أن يعمل عليهما على بعض ما يكسب فإن العمل للعامل ولرب السفينة والدابة أجرة مثلهما.
قال محمد بن رشد: وهذا على قياس قوله في أن الزرع في المزارعة الفاسدة يكون لصاحب البذر أن الفراخ تكون لصاحب البيض ولصاحب الدجاجة قيمة ما حضنت دجاجته، وعلى هذا يأتي قول سحنون في نوازله من كتاب الغصب في الغاصب يغصب البيضة فيحضنها تحت دجاجته فيخرج منها فراخا أن الفراخ لصاحب البيضة وللغاصب عليه قدر ما حضنت دجاجته وبالله التوفيق.

.مسألة اشتركا في شراء سلعة بعينها بدين:

من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم من كتاب البيوع والعيوب قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم وسئل عن رجلين اشتركا على أخذ متاع بدين لهما وعليهما ولهما مال ولا مال لهما، قال: إن كانا يشركان في سلعة بعينها يشتريانها بدين فلا بأس بذلك، كان لهما رأس مال أو لم يكن وإن كان إنما يشتركان على ما يشتري كل واحد منهما يقولان ما اشترى كل واحد منا بدين ولا مال لهما فنحن فيه شركاء فلا يعجبني ذلك، قال أصبغ: فإن وقع نفذ على سنة الشركة وضمناه جميعا وفسخت الشركة من ذي قبل وقطعت بينهما.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، ومثله في المدونة وهو مما لا اختلاف فيه أنهما إذا اشتركا في شراء سلعة بعينها بدين فذلك جائز، وهما شريكان فيها كان لهما مال أو لم يكن لهما مال، فإن اشترط البائع عليهما أن كل واحد منهما ضامن عن صاحبه بجميع الثمن جاز، وإن لم يشترط ذلك عليهما لم يلزم كل واحد منهما إلا حصته حظه من الثمن النصف إن كانت شركتهما على النصف أو الثلث أو الثلثان إن كانت شركتهما على أن لأحدهما الثلث وللآخر الثلثان أو أقل من ذلك أو أكثر، إلا أن يكونا شركاء عقد قد اشتركا شركة صحيحة على مال لهما فيكون كل واحد منهما ضامنا لثمن ما اشترى صاحبه بدين اجتمعا في أخذ المتاع بالدين أو افترقا، وأما إن اشتركا ولا مال لهما على أن يشتريا بالدين ويكونا شريكين في ذلك يضمن كل واحد منهما ثمن ما اشترى صاحبه فلا يجوز ذلك كما قال؛ لأنها شركة بالذمم، ولا تجوز على مذهب مالك وجميع أصحابها لشركة بالذمم؛ لأن ذلك غرر، يقول كل واحد منهما لصاحبه: تحمل عني بنصف ما اشتريت على أن أتحمل عنك بنصف ما اشتريت واختلف إن وقع ذلك، فقيل: تفسخ الشركة بينهما، ويكون كل واحد منهما ضامنا لما اشترى صاحبة قبل الفسخ على ما تعاقدا عليه وهو قول أصبغ هذا، ومذهب ابن القاسم في المدونة، وقيل: إنه يكون ضمان ما اشترى كل واحد منهما عليه، لا يكون على صاحبه، وإلى هذا ذهب سحنون، وهو القياس على القول بأن شركة الذمم لا تجوز، وقول ابن القاسم وأصبغ استحسان مراعاة لقول أبي حنيفة في إجازته شركة الذمم وقوله: إنها تنعقد على الوكالة فتجوز على مذهبه حال الافتراق، كما تجوز حال الاجتماع، وليس ذلك بصحيح إذ لا غرر فيها حال الاجتماع وبالله التوفيق.

.مسألة المرابحة على سبيل المكايسة والشركة على سبيل المعروف:

قال أصبغ: سئل أشهب عن شركاء ثلاثة، في سلعة تقاوموها فخرج منها واحد وقعت على الاثنين بربح دينار، ثم ذهب الخارج فاستوضع البائع دينارا فقام عليه الاثنان لرد، قال: ذلك لهما إلا أن يخرج ذلك الدينار الذي وضع له فيكون بينهما وبينه أثلاثا، قيل له: ويسوغ الربح كله؟ قال: نعم.
قال محمد بن رشد: قول أشهب في هذه المسألة لا يستقيم على حال؛ لأنه إن كان خرج من حصته من السلعة لشريكيه فيها بربح دينار على ما انتهت إليه في المقاومة فاستوضع البائع الدينار فوضعه عنه هو الذي ولي صفقة شرائها فأشرك فيها شريكيه وجب أن يكون للمشرك حظه من الوضيعة شاء الذي وضع له أو أبى، سواء كان حظه باقيا في يديه أو كان قد خرج عنه ببيع أو غيره، وليس له أن يقول الذي أشركه: لا أضع عنك شيئا وأنت بالخياران شئت أن تمسك وإن شئت أن ترد رددت، وإنما يكون له ذلك في بيع المرابحة لأن المرابحة على سبيل المكايسة، والشركة على سبيل المعروف، هذا قوله في المدونة، وقد قال أبو إسحاق التونسي: القياس أن يكون مخيرا في الشركة كالمرابحة، وعلى هذا يأتي قول أشهب في هذه المسألة، وإن كان الذي وضع له الدينار فالشركاء الثلاثة ليس هو الذي كان ولي صفقة شرائها وإنما كان اشترى وهم لها جميعا صفقة واحدة فالدينار الموضوع يكون له خالصا لا حق فيه لشريكيه على مذهب مالك وأصحابه خلاف ما ذهب إليه الفقهاء السبعة حسبما ذكرناه في رسم صلى نهارا ثلاث ركعات من سماع ابن القاسم ولو كان أحد الشركاء في السلعة باع حظه من شريكه بربح دينار مرابحة لا على سبيل المقاومة لوجب إن كان هو الذي ولي صفقة شراء السلعة أن يرد على شريكيه ثلتي الدينار شاء أو أبى، ويكون مخيرا في الثلث التي ناب منه حظه الذي باعه مرابحة بين أن يحطه عنهما قيل: ما ينوبه من الربح وقيل: دون ما ينوبه من الربح، فيلزمهما البيع ولا يحط ذلك عنهما فيكون لهما أن يرد البيع، وكذلك إن لم يكن هو الذي ولي الصفقة على مذهب الفقهاء السبعة وأما على مذهب مالك وأصحابه فيكون له ثلثا الدينار لا يلزمه أن يرده عليهما ويكون مخيرا في الثلاثة التي ناب حظه الذي باعه منهما مرابحة على ما ذكرناه وبالله التوفيق.

.مسألة المقاسمة جائزة نافذة على الغائب وفيما بين الشريكين:

قال أصبغ: سألت أشهب عن ثلاثة نفر اشتركوا بمائة دينار ثم يحضر سفر فيخرج اثنان بجميع المال ويتخلف واحد فلما كانا ببعض الطريق تشاجرا وتفاصلا فاقتسما فأخذ كل واحد منهما مائته ونصف مائة الغائب عنهما فتجر أحدهما في جميع ذلك وربح، وتجر الآخر فخسر فقال: لا ينفع ذلك الحائز يعني في الخسارة مال لا يكون تقدم إليهما، قال: ويضم المال كله يريد خسارته وربحه فيقسم ذلك بينهما وبين الغائب أثلاثا كأنهما له يقتسما المال؛ لأنهما لا مقاسمة لهما على الغائب عنهما، ثم يترادان الاثنان منهما بينهما وتجوز مقاسمتهما فيما بينهما، وبرئ كل واحد منهما لصاحبه فيكون على هذا خسارته، ولهذا ربحه، قاله أصبغ، وقال: لهذا تفسير وتفسيرها إن كان تقدم إليهما ألا يقتسما فاقتسما فربح الواحد وخسر الآخر، فإن المقيم لا يلزمه من الخسارة والوضيعة على المتعدي بتعديه بالقسمة، وأما ربح الآخر فإن الربح يكون بينه وبين شريكيه ذلك القسم، وهو على الشركة، وكذلك لو وضع لزمه من الوضعية بقدر ماله معه من المال، وفي الربح اختلاف فمن أصحابنا من قال: الربح على الثلث والثلثين، ومنهم من قال: نصفين لأنه وجد الذي قبض نصف مائته وهو الشريك معدما لرجع على هذا الشريك الآخر لأنه متعد عندما قسم ودفع المال إليه.
قال محمد بن رشد: قوله: لا ينفع ذلك الحاضر في الخسارة معناه أنه لا حجة له عليه في القسمة يضمنها الخسارة إلا أن يكون قد تقدم إليهما ألا يقتسما ماله فحينئذ يضمن له ما خسر من نصيبه وأما إن لم يتقدم إليهما في ذلك فيكون الحكم فيه ما ذكره من أن يضم المال كله بخسارته وربحه فيقسم ذلك بينهما وبين الغائب أثلاثا كأنهما لم يقتسما المال إلى آخر قوله، وذلك يرجع عند الاعتبار إلى أن يأخذ الغائب ثلث ما بيد كل واحد منهما كان قد ربح فيه أو خسر فهو مراده، ولا معنى للتطويل لما ذكره من الكلام ولا يخلو اقتسام الشريكين دون الثالث الغائب ما بأيديهما من أموالهما وقال: الغائب من ثلاثة أحوال: أحدهما أن يكونا فعلا ذلك بعد أن أذن لهما فيه الغائب، والثاني أن يكونا فعلا ذلك بعد أن نهاهما عنه، والثالث أن يكونا فعلا ذلك دون أن يتقدم منه إليهما فيه إذن ولا نهي فأما إن كانا اقتسما المال بعد أن أذن الغائب لهما في ذلك فأخذ كل واحد منهما مائته ونصف مائة الغائب فلا اختلاف في أن المقاسمة جائزة نافذة على الغائب وفيما بين الشريكين، فيكون الغائب شريكا لكل واحد منهما على انفراد بالثلث، يأخذ ثلث ما بيد كل واحد منهما كان قد ربح فيه أو خسر، وأما إن كانا اقتسما المال بعد أن نهاهما عن اقتسامه وأخذ كل واحد منهما مائته ونصف مائة الغائب فتجوز قسمتهما على نفسهما فيما بينهما ولا تجوز على الغائب، ويكون كل واحد منهما متعديا عليه في ذلك فإن تجرا فربح أحدهما وخسر الآخر كان الذي خسر ضامنا لما خسر في نصيب الغائب وهو قول أصبغ إنه إن كان تقدم إليهما لم يلزم المقيم من الخسارة شيء وكانت الوضعية عليه بتعديه بالقسمة وفي قوله: وكذلك لو وضع يريد الشريك الآخر لزمه من الوضعية بقدر ما له معه من المال إشكال ومراده بذلك أن الشريك الآخر لو وضع كما وضع الأول للزمه أن يضمن للغائب من الوضعية بقدر ما له من المال كما ضمن الآخر فالهاء من لزمه عائدة على الشريك الذي تجر في المال لا على الغائب ولو لم يبق بيد الذي تجر وخسر من المال ما يقوم بحظ الغائب من الخسارة وهو عديم لكان من حقه أن يرجع على الآخر بما نقص من حقه؛ لأن كل واحد منهما متعد عليه في القسمة فإن رجع بعدم الذي خسر رجع بذلك المرجوع عليه على الذي خسر فاتبعه به دينا في ذمته لأنه المتعدي بالتجر فيه دون شريكه، ولو تلف المال في يد أحدهما وهو عديم فرجع الغائب على الآخر لما كان للمرجوع عليه رجوع على الذي تلف المال عنده إذ لم يتعد فيما صار بيده منه ولا تلف بسببه، وأما إن كانا قد قسما المال دون أن يتقدم إليهما الغائب فيه بإذن أو نهي فاختلف هل يكونان متعديين في قسمة أم لا على قولين؟ أحدهما أنهما لا يكونان متعديين في قسمته كما لو أذن لهما في ذلك، وهو قول أشهب وأصبغ في هذه الرواية والثاني أنهما يكونان متعديين في قسمته كما لو نهاهما عن ذلك، وإلى هذا ذهب محمد بن المواز، وهو أظهر، ووجه قول أصبغ وأشهب أنه لا ضرر على الغائب في القسمة إذ قد دخل معهما على أن لكل واحد منهما أن ينفرد بالبيع والشراء دون صاحبه، فالشريكان في قسمة مال الغائب بغير إذنه على مذهب أشهب وأصبغ بخلاف المودعين للعلة التي ذكرناها، وقد روى زياد عن مالك أن للمودعين أن يقتسما الوديعة.
فيتحصل في الجملة ثلاثة أقوال، يضمنان جميعا ولا يضمن واحد منهما ويضمن المودعان ولا يضمن الشريكان، وقد مضى القول في الحكم على كل واحد من الوجهين فيما خسر أحدهما فلا معنى لتكراره، وأما ربح أحدهما فقد ذكر في الرواية الاختلاف في ذلك والصحيح أن يكون للغائب ثلث الربح لأنه إنما له ثلث أصل المال الذي كان عنه الربح، ووجه القول الآخر أن الشريك الذي عمل بالمال قد دخل مع الغائب على أن يتساويا في الربح إذ جعل كل واحد منهما مائة كما جعل صاحبه، والقسمة لا تلزمه ولا تجوز عليه، والقول الأول هو الصحيح لأنه يلزم على قياس هذا القول لو ربحا جميعا أن يأخذ الغائب نصف ربح كل واحد منهما فيصير له ربح نصف الجميع وليس له من رأس المال إلا الثلث وبالله التوفيق.

.مسألة شركة الأبدان لا تجوز إلا مع التعاون في الأعمال:

ومن كتاب البيع والصرف:
وسئل أشهب عن صناعين حداد وجزار في حانوت واحد اشتركا بعمل هذا مع هذا في جزارته وهذا مع هذا في حديده، قال: إن كانا يحسنان ذلك جميعا ويعملان فيه جميعا فلا بأس بذلك.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأن شركة الأبدان لا تجوز إلا مع التعاون في الأعمال لأنهما إذا لم يتعاونا وانفرد كل واحد منهما بعمل له دون شريكه أو أشراكه إن كانوا جماعة كان ذلك غررا؛ لأن كل واحد منهما يقول لصاحبه لك جزء من أجرتي فيما انفرد بعمله، على أن يكون لي بعض أجرتك فيما تنفرد بعمله دوني، وذلك أعظم المخاطرة والغرر. وقد مضى بيان هذا في آخر رسم من سماع ابن القاسم وبالله التوفيق.